فصل: باب لا زكاة في الرقيق والخيل والحمر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب لا زكاة في الرقيق والخيل والحمر

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ ولأبي داود‏:‏ ‏(‏ ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر‏)‏ ، ولأحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏ليس للعبد صدقة إلا صدقة الفطر ‏)‏‏.‏

‏(‏وعن عمر وجاءه ناس من أهل الشام فقالوا‏:‏ إنا قد أصبنا أموالًا خيلًا ورقيقًا نحب أن يكون لها فيها زكاة وطهور، قال ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، واستشار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم علي رضي الله عنه فقال علي هو حسن إن لم تكن جزية راتبةً يؤخذون بها من بعدك‏.‏ رواه أحمد‏)‏‏.‏

وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمير فيها زكاة، فقال‏:‏ ما جاءني فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة‏:‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ‏.‏ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‏}‏‏)‏

رواه أحمد، وفي الصحيحين معناه‏.‏

الأثر المروي عن عمر في مجمع الزوائد رجاله ثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه‏)‏ قال ابن رشيد أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد إذ لا خلاف في ذلك في العبد المتصرف والفرس المعد للركوب ولا خلاف أيضًا أنها لا تؤخذ من الرقاب وإنما قال بعض الكوفيين تؤخذ منها بالقيمة‏.‏ وقال أبو حنيفة إنها تجب في الخيل إذا كانت ذكرانا وإناثًا؛ نظرًا إلى النسل وله في المنفردة روايتان، ولا يرد عليه أنه يلزم مثل هذا في سائر السوائم إذا انفردت لعدم التناسل، لأنه يقول إنه إذا عدم التناسل حصل فيها النمو للأكل والخيل لا تؤكل عنده‏.‏ قال الحافظ ثم عنده أن المالك يتخير بين أن يخرج عن كل فرس دينارًا أو يقوم ويخرج ربع العشر وهذا الحديث يرد عليه‏.‏ وأجيب من جهته بحمل النفي فيه على الرقبة لا على القيمة وهو خلاف الظاهر‏.‏ ومن جهة ما يرد عليه حديث علي عند أبي داود بإسناد حسن مرفوعًا قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة وسيأتي‏.‏ واستدل على الوجود بما وقع في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال في الخيل ‏(‏ثم لم ينس حق الله في ظهورها‏)‏ وقد تقدم الجواب عن ذلك في شرح حديث أبي هريرة ـ ومن جملة ـ ما استدل به ما أخرجه الدارقطني والبيهقي والخطيب من حديث جابر عنه صلى الله عليه وسلم ‏(‏في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم‏)‏ وهذا الحديث مما لا تقوم به حجة لأنه قد ضعفه الدارقطني والبيهقي فلا يقوى على معارضة حديث الباب الصحيح وتمسك أيضًا بما روي عن عمر أنه أمر عامله بأخذ الصدقة من الخيل وقد تقرر أن أفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها لا سيما بعد إقرار عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لم يأخذ الصدقة من الخيل كما في الرواية المذكورة في الباب‏.‏

ـ وقد احتج ـ بظاهر حديث الباب الظاهرية فقالوا لا تجب الزكاة في الخيل والرقيق لا لتجارة ولا لغيرها، وأجيب عنهم بأنه زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث، ولا يخفى أن الإجماع على وجوب زكاة التجارة في الجملة لا يستلزم وجوبها في كل نوع من أنواع المال لأن مخالفة الظاهرية في وجوبها في الخيل والرقيق الذي هو محل النزاع مما يبطل الاحتجاج عليهم بالإجماع على وجوبها فيهما فالظاهر ما ذهب إليه أهله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن لم تكن جزية‏)‏ إلخ ظاهر هذا أن عليًا لا يقول بجواز أخذ الزكاة من هذين النوعين، وإنما حسن الأخذ من الجماعة المذكورين لكونهم قد طلبوا من عمر ذلك‏.‏ وحديث أبي هريرة المذكور في الباب هو طرف من حديثه المتقدم في أول الكتاب وقد شرحناه هنالك وقد استدل به علي على عدم وجوب الزكاة في الحمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن زكاتها فلم يذكر أن فيها الزكاة والبراءة الأصلية مستصحبة والأحكام التكليفية لا تثبت بدون دليل ولا أعرف قائلًا من أهل العلم يقول بوجوب الزكاة في الحمير لغير تجارة واستغلال‏.‏

 باب زكاة الذهب والفضة

عن علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهمًا درهمًا وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين زكاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي ‏.‏

الحديث روي من طريق عاصم بن ضمرة عن علي‏.‏ ومن طريق الحرث الأعور عن علي أيضًا قال الترمذي روى هذا الحديث الأعمش وأبو عوانة وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي‏.‏ وروى سفيان الثوري وابن عيينة وغير واحد عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي وسألت محمد يعني البخاري عن هذا الحديث فقال كلاهما عندي صحيح اهـ‏.‏ وقد حسن هذا الحديث الحافظ وقال الدارقطني الصواب وقفه على علي‏.‏

ـ الحديث ـ يدل على وجوب الزكاة في الفضة وهو مجمع على ذلك‏.‏ ويدل أيضًا على أن زكاتها ربع العشر ولا أعلم في ذلك خلافًا‏.‏ ويدل أيضًا على اعتبار النصاب في زكاة الفطر وهو إجماع أيضًا، وعلى أنه مائتا درهم قال الحافظ ولم يخالف في نصاب الفضة مائتا درهم إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه قال إن أهل كل بلد يتعاملون بدراهم‏.‏ وذكر ابن عبد البر اختلافًا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلدان قيل وبعضها اعتبر النصاب بالعدد لا بالوزن وهو خارق للإجماع، وهذا البعض الذي أشار إليه هو المريسي وبه قال المغربي من الظاهرية كما في البحر، وقد قوي كلام هذا المغربي الظاهري المغربي الصنعاني في شرح بلوغ المرام، وقال إنه الظاهر إن لم يمنع منه إجماع وحكى في البحر عن مالك أنه يغتفر نقص الحبة والحبتين ولا بد أن يكون النصاب خالصًا عن الغش كما تقدم إليه الجمهور‏.‏ وقال المؤيد بالله والإمام يحيى إنه يغتفر اليسير وقدره الإمام يحيى بالعشر فما دون‏.‏ وحكي في البحر عن أبي حنيفة أنه يغتفر ما دون النصف وسيأتي تحقيق مقدار الدرهم‏.‏

ـ وفي الحديث ـ أيضًا دليل على أنه لا زكاة في الخيل والرقيق وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وهو لأحمد والبخاري من حديث أبي سعيد ‏.‏

وعن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينار‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث أبي سعيد المشار إليه هو متفق عليه‏.‏ ولفظه في البخاري ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق في التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة‏)‏ وحديث علي هو من حديث أبي إسحاق عن الحرث الأعور وعاصم بن ضمرة عنه وقد تقدم أن البخاري قال كلاهما عنده صحيح وقد حسنه الحافظ والحرث ضعيف وقد كذبه ابن المديني وغيره وروى عن ابن معين توثيقه وعاصم وثقه ابن المديني وقال النسائي ليس به بأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خمس أواق‏)‏ بالتنوين وبإثبات التحتية مشددًا ومخففًا، جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى اللحياني وقية بحذف الألف وفتح الواو‏.‏ وقال الفتح مقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبًا أو غير مضروب‏.‏ قال عياض أبو عبيد إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل قال وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال نصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن فعشرة مثلًا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن تنقش بالكتابة العربية ويصير وزنها وزنًا واحد وقال غيره لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام‏.‏ وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم اهـ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الورق‏)‏ قد تقدم الكلام عليه وكذا تقدم الكلام على قوله خمس ذود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خمسة أوسق‏)‏ جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب المحكم وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال وهو ستون صاعًا بالاتفاق وقد وقع في رواية ابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه الوسق ستون صاعًا‏.‏ وأخرجها أبو داود أيضًا لكن قال ستون مختومًا‏.‏ وللدارقطني من طريق عائشة الوسق ستون صاعًا وفيه دليل على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق وسيأتي البحث عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عشرون دينارًا‏)‏ الدينار مثقال درهم وثلاثة أسابع درهم والدرهم ستة دوانيق والدانق قيراطان والقيراط طسوجان والطسوج حبتان والحبة سدس ثمن درهم وهو جزء من ثمانية وأربعين جزأ من درهم كذا في القاموس في فصل الميم من حرف الكاف وفيه دليل على أن نصاب الذهب عشرون دينار، وإلى ذلك ذهب الأكثرون وروي عن الحسن البصري أن نصابه أربعون وروي عنه مثل قول الأكثر ونصابه معتبر في نفسه‏.‏ وقال طاوس‏:‏ إنه يعتبر في نصابه التقويم بالفضة فما بلغ منه ما يقوم بمائتي درهم وجبت فيه الزكاة ويرده الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحال عليها الحول‏)‏ فيه دليل على اعتبار الحول في زكاة الذهب ومثله الفضة‏.‏ وإلى ذلك ذهب الأكثر‏.‏ وذهب ابن عباس وابن مسعود والصادق والباقر والناصر وداود إلى أنه يجب على المالك إذا استفاد نصابًا أن يزكيه في الحال تمسكًا بقوله في الرقة ربع العشر وهو مطلق مقيد بهذا الحديث فاعتبار الحول لا بد منه والضعف الذي في حديث الباب منجبر بما عند ابن ماجه والدارقطني والبيهقي والعقيلي من حديث عائشة من اعتبار الحول‏.‏ وفي إسناده حارثة بن أبي الرجال وهو ضعيف وبما عند الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مثله وفيه إسماعيل ابن عياش وحديثه عن غير أهل الشام ضعيف وبما عند الدارقطني من حديث أنس وفيه حسان بن سياه وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ففيها نصف دينار‏)‏ فيه دليل على أن زكاة الذهب ربع العشر ولا أعلم فيه خلافًا‏.‏

 باب زكاة الزرع والثمار

عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشور‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال الأنهار والعيون ‏.‏

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلمًا، لكن لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجه‏:‏ ‏(‏بعلا‏)‏ بدل ‏(‏عثريًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والغيم‏)‏ بفتح الغين المعجمه وهو المطر وجاء في رواية ‏(‏الغيل‏)‏ باللام‏.‏ قال أبو عبيد هو ما جرى من المياه في الأنهار وهو سيل دون السيل الكبير‏.‏ وقال ابن السكيت هو الماء الجاري على الأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العشور‏)‏ قال النووي ضبطناه بضم العين جمع عشر‏.‏ وقال القاضي عياض ضبطناه عن عامة شيوخنا بفتح العين وقال وهو اسم للمخرج من ذلك‏.‏ وقال صاحب المطالع أكثر الشيوخ يقولونه الضم وصوابه الفتح‏.‏ وقال النووي وهذا الذي ادعاه من الصواب ليس بصحيح وقد اعترف بأن أكثر الرواة رووه بالضم وهو بالضم وهو الصواب جمع عشر وقد اتفقوا على قولهم عشور أهل الذمة بالضم ولا فرق بين اللفظين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالسانية‏)‏ هي البعير الذي يستقي به الماء من البئر ويقال له الناضح يقال منه سنا يسنو سنوًا إذا استقى به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيما سقت السماء‏)‏ المراد بذلك المطر أو الثلج أو البرد أو الطل والمراد بالعيون الأنهار الجارية التي يستقي منها من دون اغتراف بآلة بل تساح إساحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو كان عثريًا‏)‏ هو بفتح العين المهملة وفتح الثاء المثلثة وكسر الراء وتشديد المثلثة التحتانية وحكي عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة ورده ثعلب قال الخطابي هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي زاد بن قدامة عن القاضي أبي يعلى وهو المستنقع في بركه ونحوها يصب إليه ماء المطر في سواق تستقى إليه‏.‏ قال واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأن الماشي يتعثر فيها قال ومثله الذي يشرب من الأنهار بغير مؤونة أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبًا من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغنى عن السقي‏.‏ قال الحافظ وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيد أن العثري ما سقته السماء لأن سياق الحديث يدل على المغايرة وكذا قول من فسر العثري بأنه الذي لا حمل له لأنه لا زكاة فيه‏.‏ قال ابن قدامة لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرها خلافًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالنضح‏)‏ بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها حاء مهملة أي بالسانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعلا‏)‏ بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويروي بضمها قال في القاموس البعل الأرض المرتفعة تمطر في السنة مرة وكل نخل وزرع لا يسقى أو ما سقته السماء اهـ‏.‏ وقيل هو الأشجار التي تشرب بعروقها من الأرض‏.‏

ـ والحديثان ـ يدلان على أنه يجب العشر فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوهما مما ليس فيه مؤنة كثيرة ونصف العشر فيما سقي بالنواضح ونحوها مما فيه مؤنة كثيرة قال النووي وهذا متفق عليه وإن وجد مما يسقى بالنضح تارة وبالمطر أخرى فإن كان ذلك على جهة الاستواء وجب ثلاثة أرباع العشر وهو قول أهل العلم‏.‏ قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافًا وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعًا للأكثر عند أحمد والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي‏.‏ وقيل يؤخذ بالتقسيط قال الحافظ ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع ولو كان أقل‏.‏

وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة، وفي لفظ لأحمد ومسلم والنسائي‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة‏)‏ ولمسلم في رواية‏:‏ ‏(‏من ثمر‏)‏ بالثاء ذات النقط الثلاث ‏.‏

وعن أبي سعيد أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الوسق ستون صاعًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ولأحمد وأبي داود‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة، والوسق ستون مختومًا‏.‏

قوله‏:‏ ليس فيما دون خمسة أوسق‏)‏ قدم تقدم تفسير الوسق والأواقي والذود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الوسق ستون صاعًا‏)‏ هذا الحديث أخرجه الدارقطني وابن حبان من طريق عمرو بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد وأخرجه أيضًا النسائي وأبو داود وابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد قال أبو داود وهو منقطع لم يسمع أبو البختري من أبي سعيد‏.‏ وقال أبو حاتم لم يدركه‏.‏ وأخرج البيهقي نحوًا من حديث ابن عمر وابن ماجه من حديث جابر، وإسناده ضعيف‏.‏ قال الحافظ وفيه عن عائشة وعن سعيد بن المسيب‏.‏

وحديث ‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ مخصص لعموم حديث جابر المتقدم في أول الباب‏.‏ ولحديث عمر المذكور بعده لأنهما يشملان الخمسة الأوسق وما دونهما‏.‏ وحديث أبي سعيد هذا خاص بقدر الخمسة الأوسق فلا تجب الزكاة فيما دونها‏.‏ وإلى هذا ذهب الجمهور وذهب ابن عباس وزيد بن علي والنخعي وأبو حنيفة إلى العمل بالعام، فقالوا تجب الزكاة في القليل والكثير ولا يعتبر النصاب، وأجابوا عن حديث الأوساق بأنه لا ينتهض لتخصيص حديث العموم لأنه مشهور‏.‏ وله حكم المعلوم، وهذا إنما يتم على مذهب الحنفية القائلين، بأن دلالة العموم قطيعة وأن العمومات القطعية لا تخصص بالظنيات، ولكن ذلك لا يجري فيما نحن بصدده فإن العام والخاص ظنيان كلاهما، والخاص أرجح دلالة وإسنادًا فيقدم على العام تقدم أو تأخر أو قارن على ما هو الحق، من أنه يبنى العام على الخاص مطلقًا، وهكذا يجب البناء إذا جهل التاريخ، وقد قيل إن ذلك إجماع والظاهر أن مقام النزاع من هذا القبيل، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض إلا أن أبا حنيفة قال تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقضب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر اهـ‏.‏ وحكى عياض عن داود أن كل ما يدخله الكيل يراعى فيه النصاب وما لا يدخل فيه الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة وهو نوع من الجمع‏.‏ وقال ابن العربي أقوى المذاهب وأحوطهما للمساكين قول أبي حنيفة وهو التمسك بالعموم اهـ‏.‏ وههنا مذهب ثالث حكاه صاحب البحر عن الباقر والصادق أنه يعتبر النصاب في التمر والزبيب والبر والشعير إذ هي المعتادة فانصرف إليها وهو قصر للعام على بعض ما يتناوله بلا دليل‏.‏

وعن عطاء بن السائب قال‏:‏ ‏(‏أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضروات صدقةً، فقال له موسى بن طلحة ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ليس في ذلك صدقة‏)‏‏.‏

رواه الأثرم في سننه، وهو من أقوى المراسيل لاحتجاج من أرسله به ‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بلفظه‏.‏ وأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال الحافظ وفيه ضعف وانقطاع‏.‏ وروى الترمذي بعضه من حديث عيسى بن طلحة عن معاذ وهو ضعيف‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعني في الخضروات‏:‏ وإنما يروى عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا‏.‏ وذكر الدارقطني في العلل وقال الصواب مرسل‏.‏ وروى البيهقي بعضه من حديث موسى بن طلحة قال عندنا كتاب معاذ‏.‏ ورواه الحاكم وقال موسى تابعي كبير لا ينكر أنه لقي معاذًا‏.‏ وقال ابن عبد البر لم يلق معاذًا ولا أدركه وكذلك قال أبو زرعة وروى البزار والدارقطني من طريق الحرث بن نبهان عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعًا ‏(‏ليس في الخضروات صدقة‏)‏ قال البزار لا نعلم أحدًا قال فيه عن أبيه إلا الحرث بن نبهان وقد حكى ابن عدي تضعيفه عن جماعة والمشهور عن موسى مرسل ورواه الدارقطني من طريق ملاوان بن محمد السنجاري عن جرير عن عطاء بن السائب فقال عن أنس بدل قوله عن أبيه ولعله تصحيف منه، ومروان مع ذلك ضعيف جدًا‏.‏ وروى الدارقطني من حديث علي مثله وفيه الصقر بن حبيب وهو ضعيف جدًا‏.‏ ـ وفي الباب ـ عن محمد بن جحش عند الدارقطني وفي إسناده عبد الله بن شبيب‏.‏ قيل عنه إنه يسرق الحديث‏.‏ وعن عائشة عند الدارقطني أيضًا وفيه صالح بن موسى وفيه ضعف‏.‏ وعن علي موقوفًا عند البيهقي‏.‏ وعن عمر كذلك عنده‏.‏

ـ والحديث يدل ـ على عدم وجوب الزكاة في الخضروات وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وقالا إنما تجب الزكاة فيما يكال ويدخر للاقتيات‏.‏ وعن أحمد أنها تخرج مما يكال ويدخر ولو كان لا يقتات وبه قال أبو يوسف ومحمد وأوجبهما في الخضروات الهادي والقاسم إلا الحشيش والحطب لحديث ‏(‏الناس شركاء في ثلاث‏)‏ ووافقهما أبو حنيفة إلا أنه استثنى السعف والتبن واستدلوا على وجوب الزكاة في الخضروات بعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة‏}‏ وقوله ‏{‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وآتوا حقه يوم حصاده‏}‏ وبعموم حديث ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ ونحوه قالوا وحديث الباب ضعيف لا يصلح لتخصيص هذه العمومات‏.‏ وأجيب بأن طرقه يقوي بعضها بعضًا فينتهض لتخصيص هذه العمومات ويقوي ذلك ما أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث ‏(‏أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر‏.‏

قال البيهقي رواته ثقات وهو متصل‏.‏ وما أخرجه الطبراني عن عمر قال‏:‏ ‏(‏إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة‏)‏ فذكرها وهو من رواية موسى بن طلحة عن عمر‏.‏ قال أبو زرعة موسى عن عمر مرسل‏.‏ وما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ ‏(‏إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب‏)‏ زاد ابن ماجه والذرة وفي إسناده محمد بن عبيد الله العزرمي وهو متروك‏.‏ وما أخرج البيهقي من طريق مجاهد قال لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في خمسة فذكرها‏.‏ وأخرج أيضًا من طريق الحسن فقال لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة‏.‏ وحكى أيضًا عن الشعبي أنه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن‏:‏ ‏(‏إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب‏)‏‏.‏ قال البيهقي هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضًا ومعها حديث أبي موسى، ومعها قول عمر وعلي وعائشة ليس في الخضراوات زكاة انتهى‏.‏ فلا أقل من انتهاض هذه الأحاديث لتخصيص تلك العمومات التي قد دخلها التخصيص بالأوساق والبقر العوامل وغيرهما فيكون الحق ما ذهب إليه الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي من أن الزكاة لا تجب إلا في البر والشعير والتمر والزبيب لا فيما عدا هذه الأربعة مما أخرجت الأرض وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكًا ولكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن‏.‏

وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ثم يخير يهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي يحصي الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود ‏.‏

وعن عتاب بن أسيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وابن ماجه ‏.‏

وعنه أيضًا قال‏:‏ ‏(‏أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل فتؤخذ زكاته زبيبًا، كما تؤخذ صدقة النخل تمرًا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي ‏.‏

وعن سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏

حديث عائشة فيه واسطة بين ابن جريج والزهري ولم يعرف‏.‏ وقد رواه عبد الرزاق والدارقطني بدون الواسطة المذكورة وابن جريج مدلس فلعله تركها تدليسًا‏.‏ وذكر الدارقطني الاختلاف فيه فقال رواه صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل ولم يذكروا أبا هريرة‏.‏

وحديث عتاب بن أسيد أخرجه أيضًا باللفظ الأول أبو داود وابن حبان وباللفظ الثاني النسائي وابن حبان والدارقطني ومداره على سعيد بن المسيب عن عتاب وقد قال أبو داود لم يسمع منه، وقال ابن قانع لم يدركه‏.‏ وقال المنذري انقطاعه ظاهر لأن مولد سعيد في خلافة عمر ومات عتاب يوم مات أبو بكر وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر‏.‏ وقال ابن السكن لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه غير هذا وقد رواه الدارقطني بسند فيه الواقدي فقال عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب بن أسيد‏.‏ وقال أبو حاتم الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتابًا مرسل وهذه رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري‏.‏

وحديث سهل بن أبي حثمة أخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم وصححاه وفي إسناده عبد الرحمن بن مسعود بن نيار الراوي عن ابن أبي حثمة وقد قال البزار إنه انفرد به وقال ابن القطان لا يعرف حاله قال الحاكم وله شاهد بإسناد متفق على صحته أن عمر بن الخطاب أمر به‏.‏ ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر عن جابر مرفوعًا ‏(‏خففوا في الخرص‏)‏ الحديث وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏

ـ والأحاديث المذكورة ـ تدل على مشروعية الخرص في العنب والنخل وقد قال الشافعي في أحد قوليه بوجوبه مستدلًا بما في حديث عتاب من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وذهبت العترة ومالك وروي عن الشافعي إلى أنه جائز فقط وذهبت الهادوية وروي عن الشافعي أيضًا إلى أنه مندوب وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه رجم بالغيب والأحاديث المذكورة ترد عليه‏.‏ وقد قصر جواز الخرص على مورد النص بعض أهل الظاهر فقال لا يجوز إلا في النخل والعنب ووافقه على ذلك شريح وأبو جعفر وابن أبي الفوارس، وقيل يقاس عليه غيره مما يمكن ضبطه بالخرص، واختلف في خرص الزرع فأجازه للمصلحة الإمام يحيى ومنعته الهادوية والشافعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودعوا الثلث‏)‏ قال ابن حبان له معنيان أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر وثانيهما أن يترك ذلك من نفس الثمرة قبل أن تعشر‏.‏ وقال الشافعي أن يدع ثلث الزكاة أو ربعها ليفرقها هو بنفسه‏.‏ وقيل يدع له ولأهله قدر ما يأكلون ولا يخرص‏.‏ وأخرج أبو نعيم في الصحابة من طريق الصلت بن زييد بن الصلت عن أبيه عن جده ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الخرص فقال أثبت لنا النصف و بق لهم النصف فإنهم يسرقون ولا تصل إليهم‏)‏‏.‏

وعن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة، قال الزهري تمرين من تمر المدينة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود ‏.‏

‏)‏ وعن أبي أمامة بن سهل‏:‏ في الآية التي قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏‏.‏ قال هو الجعرور، ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة الرذالة‏)‏‏.‏

رواه النسائي ‏.‏

الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح‏.‏ والحديث الثاني في إسناده عبد الجليل بن حبيب اليحصبي ولا بأس به وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ وقد أخرج نحوه الترمذي وقال حسن صحيح غريب من حديث البراء، قال‏:‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته‏.‏ وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فسقط البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف والقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه‏}‏ قال لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء قال فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجعرور‏)‏ بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الراء وسكون الواو بعدها راء، قال في القاموس هو تمر رديء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولون الحبيق‏)‏ بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون التحتية بعدها قاف‏.‏ قال في القاموس حبيق كزبير تمر دقل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرذالة‏)‏ بضم الراء بعدها ذال معجمة هي ما انتفى جيده كما في القاموس‏.‏

وقوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ فيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الرديء عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة تصافي التمر قياسًا في سائر الأجناس التي تجب فيها الزكاة وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك‏.‏

 باب ما جاء في زكاة العسل

عن أبي سيارة المتعي قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول الله إن لي نحلًا قال فأد العشور قال قلت يا رسول الله احم لي جبلها، قال فحمى لي جبلها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ‏.‏

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه أخذ من العسل العشر‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه، وفي رواية له‏:‏ ‏(‏جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي وديانًا يقال له سلبة فحمى له ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك فكتب عمر إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي، ولأبي داود في رواية بنحوه وقال‏:‏ ‏(‏من كل عشر قرب قربة‏)‏‏.‏

حديث أبي سيارة أخرجه أيضًا أبو داود والبيهقي وهو منقطع لأنه من رواية سليمان بن موسى عن أبي سيارة قال البخاري لم يدرك سليمان أحدًا من الصحابة وليس في زكاة العسل شيء يصح‏.‏ قال أبو عمر بن عبد البر لا يقوم بهذا حجة‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب قال الدارقطني يروى عن عبد الرحمن بن الحرث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مسندًا‏.‏ ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن سعيد عن عمر مرسلًا‏.‏ قال الحافظ فهذه علته وعبد الرحمن وابن لهيعة ليسًا من أهل الإتقان لكن تابعهما عمرو بن الحرث أحد الثقات وتابعهما أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عند ابن ماجه وغيره‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند الترمذي ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في العسل في كل عشرة أزقاق زق‏)‏ وفي إسناده صدقة السمين وهو ضعيف الحفظ وقد خولف‏.‏ وقال النسائي هذا حديث منكر‏.‏ ورواه البيهقي وقال تفرد به صدقة وهو ضعيف وقد تابعه طلحة بن زيد بن موسى بن يسار ذكره المروزي ونقل عن أحمد تضعيفه وذكر الترمذي أنه سأل البخاري عنه فقال هو عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وعن أبي هريرة عند البيهقي وعبد الرزاق وفي إسناده عبد الله بن محرر بمهملات وهو متروك‏.‏ وعن سعد بن أبي ذئاب عند البيهقي أن النبي صلبى الله عليه وسلم هريرة عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على قومه وأنه قال لهم‏:‏ ‏(‏أدوا العشر في العسل‏)‏ وفي إسناده منير بن عبد الله ضعفه البخاري والأزدي وغيرهما‏.‏ قال الشافعي وسعد بن أبي ذئاب يحكي ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره فيه بشيء وأنه شيء رآه هو فتطوع له به قومه‏.‏ قال ابن المنذر ليس في الباب شيء ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متعان‏)‏ بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة وكذا المتعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سلبة‏)‏ بفتح المهملة واللام والباء والموحدة هو واد لبني متعان قاله البكري في معجم البلدان‏.‏

وقد استدل بأحاديث الباب على وجوب العشر في العسل أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وحكاه في البحر عن عمر وابن عباس وعمر بن عبد العزيز والهادي والمؤيد بالله وأحد قولي الشافعي‏.‏ وقد حكى البخاري وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز أنه لا يجب في العسل من الزكاة، وروى عنه عبد الرزاق أيضًا مثل ما روى شيء عنه صاحب البحر ولكنه بإسناد ضعيف كما قال الحافظ في الفتح‏.‏ وذهب الشافعي ومالك والثوري وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في العسل، وحكاه في البحر عن علي عليه السلام وأشار العراقي في شرح الترمذي إلى أن الذي نقله ابن المنذر عن الجمهور أولى من نقل الترمذي‏.‏

ـ واعلم ـ أن حديث ابن سيارة وحديث هلال إن كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل لأنهما تطوعا بها وحمى لها بدل ما أخذ وعقل عمر العلة فأمر بمثل ذلك ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخير في ذلك‏.‏ وبقية أحاديث الباب لا تنتهض للاحتجاج بها‏.‏ ويؤيد عدم الوجوب ما تقدم من الأحاديث القاضية بأن الصدقة إنما تجب في أربعة أجناس ويؤيده أيضًا ما رواه الحميدي بإسناده إلى معاذ بن جبل أنه أتى بوقص البقر والعسل فقال معاذ كلاهما لم يأمرني فيه صلى الله عليه وسلم بشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإلا فإنما هو ذباب غيث‏)‏ أي وإن لم يؤدوا عشور النحل فالعسل مأخوذ من ذباب النحل إلى الغيث لأن النحل يقصد مواضع القطر لما فيها من العشب والخصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأكله من يشاء‏)‏ يعني العسل فالضمير راجع إلى المقدر المحذوف‏.‏

ـ وفيه دليل ـ على أن العسل الذي وجد في الجبال يكون من سبق إليه أحق به‏.‏

 باب ما جاء في الركاز والمعدن

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس‏)‏‏.‏

رواه الجماعة ‏.‏

وعن ربيعة بن عبد الرحمن عن غير واحد‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود ومالك في الموطأ ‏.‏

الحديث الأول له طرق وألفاظ‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا الطبراني والحاكم والبيهقي بدون قوله وهي من ناحية الفرع إلخ‏.‏

قال الشافعي بعد أن روى هذا الحديث ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ولم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه‏.‏ وأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيهقي هو كما قال الشافعي‏.‏

وقد روي هذا الحديث عن الدروردي عن ربيعه المذكور موصولًا‏.‏ وكذلك أخرجه الحاكم في المستدرك وكذا ذكره ابن عبد البر‏.‏ ورواه أبو سبرة المديني عن مطرف عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال موصولًا لكن لم يتابع عليه‏.‏ ورواه أبو أويس عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده وعن ثور بن زيد عن عكرمة عن بان عباس هكذا قال البيهقي وأخرجه من الوجهين الآخرين أبو داود وسيأتي حديث ابن عباس المشار إليه في باب ما جاء في إقطاع المعادن من كتاب إحياء الموات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العجماء‏)‏ وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جبار‏)‏ أي هدر وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الركاز الخمس‏)‏ الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه إذا دفعه مركوز وهذا متفق عليه‏.‏ قال مالك والشافعي الركاز دفن الجاهلية وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهم أن المعدن ركاز واحتجوا لهم بقول العرب أركز الرجل إذا أصاب ركازًا وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن وخالفهم في ذلك الجمهور فقالوا لا يقال للمعدن ركاز، واحتجوا بما وقع في حديث الباب من التفرقة بينهما بالعطف فدل ذلك على المغايرة وخص الشافعي الركاز بالذهب والفضة‏.‏ وقال الجمهور لا يختص واختاره ابن المنذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القبلية‏)‏ منسوبة إلى قبل بفتح القاف والباء وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام‏.‏ والفرع موضع بين نخلة والمدينة‏.‏

ـ والحديث ـ الأول يدل على أن زكاة الركاز الخمس على الخلاف السابق في تفسيره‏.‏ قال ابن دقيق العيد ومن قال من الفقهاء إن في الركاز الخمس إما مطلقًا أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث انتهى وظاهره سواء كان الواجد له مسلمًا أو ذميًا وإلى ذلك ذهب الجمهور فيخرج الخمس وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء‏.‏

ـ واتفقوا ـ على أنه لا يشترط فيه الحول بل يجب إخراج الخمس في الحال وإلى ذلك ذهبت العترة قال في الفتح وأغرب ابن العربي في شرح الترمذي فحكى عن الشافعي الاشتراط، ولا يعرف ذلك في شيء من كتبه ولا كتب أصحابه ومصرف هذا الخمس مصرف خمس الفيء عند مالك وأبي حنيفة والجمهور، وعند الشافعي مصرف الزكاة، وعن أحمد روايتان‏.‏ وظاهر الحديث عدم اعتبار النصاب وإلى ذلك ذهبت الحنفية والعترة وقال مالك وأحمد وإسحاق يعتبر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ وقد تقدم، وأجيب بأن الظاهر من الصدقة الزكاة فلا تتناول الخمس وفيه نظر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة‏)‏ فيه دليل لمن قال أن الواجب في المعادن الزكاة وهي ربع العشر كالشافعي وأحمد وإسحاق ـ ومن أدلتهم ـ أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏في الرقة ربع العشر‏)‏ ويقاس غيرها عليها‏.‏ وذهبت العترة والحنفية والزهري وهو قوله للشافعي إلى أنه يجب فيه الخمس لأنه يصدق عليه اسم الركاز وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏